أنباء الجامعة

دارالعلوم/ ديوبند تبدي غاية حزنها وألمها على وفاة العالم القائد الداعية الهندي

فضيلة الشيخ السيد أسعـد المــدني

و تعقد حفلة تأبين وعزاء مزدحمة في رحابها

إعداد : الأخ محمد أجمل القاسمي طالب بقسم الإفتاء

 

 

 

 

       عقدت جامعةُ دارالعلوم – ديوبند بعد صلاة الظهر من يوم الأربعاء 9/1/1427هـ = 8/2/2006م بجامعها الكبير المعروف بـ«جامع رشيد» حفلةَ تأبينٍ على وفاة العالم الجليل القائد المصلح محمد أسعد المدني رئيس جمعية علماء الهند وعضو المجلس الإستشاري لدارالعلوم – ديوبند ، الذي وافته المنية مساءَ يوم الاثنين 7/ محرم 1427هـ الموافق 6/ فبراير 2006م . وذلك برئاسة فضيلة الشيخ مرغوب الرحمن البجنوري رئيس الجامعة ، حضرها – بالإضافة إلى رئيس الحفلة – كلٌ من أصحاب الفضيلة : الشيخ محمد أرشد المدني، والشيخ المقرئ محمد عثمان، والشيخ حبيب الرحمن، والشيخ نعمة الله، والشيخ المفتي سعيد أحمد، والشيخ عبد الحق، والشيخ قمرالدين، والشيخ غلام رسول خاموش، والشيخ محمد سلمان، وجميع أساتذة الجامعة؛ كما شارك الاحتفال السيد سنجي جرج وزيرُ الضرائب في حكومة ولاية أترابراديش.

       استُهل البرنامجُ بآي من آيات كتاب الله الحكيم سعِد بتلاوتها فضيلةُ المقرئ «شفيق الرحمن» أستاذُ التجويد في الجامعة. ثم تحدّث إلى الحفل سماحة الشيخ «محمد أرشد المدني» أستاذ الحديث بالجامعة والمدير لشؤون التعليم والقبول والتسجيل، وقال سماحته في كلماته الموجزه : حصلت مأساة أليمة فجعت المنتسبين إلى جامعة دارالعلوم وجمعية علماء الهند بصفة خاصة وجميع الأمة المسلمة بصفة عامة: وهي حادث وفاة أمير الهند ورئيس جمعية العلماء. استأثرت رحمة الله بالرجل العظيم الذي كان يُسدي جهوده لخدمة جامعةِ دارالعلوم ومذهبها المعتدل المتوازن، بالقائد الذي قام بقيادة الأمة المسلمة في فترات عصيبة وفي وأوضاع معاكسة ومعقَّدة. فإنا لله وإنا إليه راجعون. قد صدق الله جل وعلا: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ».

       ثم ألقى فضيلةُ الشيخ «حبيبُ الرحمن» الأعظمي أستاذُ الحديث بالجامعة كلمةً قال فيها: عايشت المرحوم 26 عامًا، وصحبتُ معه في السفر والحضر؛ فبناءً على خبرتي كنتُ أرى بل أعتقد أن الفقيد رحمه الله كان شخصية شاملة ومتكاملة، وكانت عميقة للغاية كل من دنا منه باخلاص القلب وصافي الود اعترف بفضله ونبوغه. وأردفَ فضيلته قائلاً: ويمكن لي أن أقولَ – بناءً على ما وصلتُ إليه من خلال دراستي – أنه رحمه الله كان آخرَ حلقة في سلسلة الحركة التي بدأها المحدث الجليل الشاه «ولي الله» الدهلوي، والتي عَزَّزَها وطَوَّرَها نجلُه الرشيد وخلفه الأمين الشاه المحدث «عبد العزيز» الدهلوي. كان له رحمه الله إلمام دقيق وعميق بجميع نواحي الحياة: التعليم والتربية والإحسان، والسياسة والاقتصاد، فهو في جانب كان مصلحًا كبيرًا ومشرفًا على مئات المدارس الإسلامية، ورئيسًا لجمعية العلماء وعضوًا في البارليمان في جانب آخر. ظلّ رحمه الله صامدًا أمام القضايا والمشكلات التي ازدحمت على الأقلِّية المسلمة في الهند بعد استقلالها، وسعى جاهدًا في حلِّها، ورفع صوته في هذا الصدد أكثر من مرّات.

       ثم لفتَ فضيلةُ الشيخ «قمرالدين» أستاذُ التفسير والحديث في الجامعة الأنظار فقال: من سنة الله – جلّ وعلا – أنه إذا قيّض أحدًا لعمل جليلٍ أو إحداث انقلاب، يودعه روحًا وثّابة ومواهبَ تُسّهلُ له القيام بذلك العمل. حقًا كان راحلنا الغالي – رحمه الله – من المقيَّضين لخدمة الدين وصيانة العقيدة، أكرمه الله بمحاسن جمة ومواهبَ متعدة الجوانب. كان مجدًّا بالنهار، قائمًا ومتهجّدًا في الليل. ويمكننا أن نقول إنه كان من رهبان الليل وفرسان النهار. وعبّر فضيلتُه عن ركضه الدؤوب المضني وتفانيه في خدمة الخلق بـ«الجهاد»، وأوصى فضيلتُه باقتفاء خطواته وآثاره .

       ثم أدلى سماحةُ الشيخ المفتي «سعيد أحمد» البالنبوري حديثَه فقال: أمضيتُ في هذه الجامعة أعوامًا طوالاً، وشاهدتُ اجتماعات حافلة؛ ولكن لاعهدَ لي بمثلَ هذا الازدحام الحاشد في الجامعة من قبلُ، فاجتماعُ الخلق في هذا العدد الكبير وآثارُ الحزن والكآبة – التي تبدو من وجوههم وتعكس عن شديد ألمهم – أكبرُ شهادة أن الله جل وعلا أكرَمَ الفقيد المرحوم باصطفائيةٍ وقبولٍ قلما يحظى بهما أحد. وأضاف فضيلته قائلاً: إن شخصية الفقيد كانت تتمتع بمواهبَ ومحاسن لايُتيح الوقت لاستطراده؛ ولكن أذكر لكم اثنين: (الف) كان رحمه الله دائمًا يقدِّم كباره إجلالاً لهم. ويتخلف نفسُه عنهم بخطوة أو خطوتين، على حينٍ أنه نسيجُ وجده وأحد من أساطين الأمة . (ب) كان رحمه الله يبغض الباطل وأشكاله حيثما وُجِدَ، ويصمد في وجه طوفانه، ويدحضه برد قاطع، لايرى معه التلاحم والتوافق مهما كانتِ الأوضاع معاكسة .

       ثم تحدث فضيلةُ الشيخ «عبد الحق» الأعظمي أستاذ الحديث بالجامعة إلى الحضور فقال: انحسر عن رؤوسنا ظل شخصية مباركة يمكننا أن نقول – عن جدارة واستحقاق – إنه كان أميرًا بالهند للأمة الإسلامية . كان – رحمه الله دائم الفكرة إزاء نشر الدين الصحيح في الأمة، وسعى جاهدًا طوال حياته لهذا الغرض النبيل . وكان يحبُ التصلبَ في أمر الدين، ويكره جميع معاني المداهنة في هذا الشأن . وكان لايصبر عن النهي عن المنكر مهما كانَ مرتكبه وكان صريحًا في ذلك . كلما أطل الباطل في شكل من الأشكال فسماحته كان أول من برز من صفوف العلماء لدحضه. وأردف قائلاً: أنه لما قامت فتنة رفض التقليد في الماضي القريب على قدم وساق، عقد رحمه الله اجتماعات حافلة أُطلِق عليها اسم صيانة السنة في كل من مدينة دهلي ومومباي، وتحدَّى من خلالها الداعين إلى ذلك . واستطرد سماحته قائلاً: من أهم ميزاته – رحمه الله – أنه كان يؤقر الكبار ويرحم الصغار . حقًا كان نعمة جليلةً من نعم الله تعالى التي أكرمنا بها ثم أخذها .

سبيلُ الموت غاية كل حي        فداعيه لأهل الأرض داع

       ثم ألقى سماحةُ الشيخ «نعمة الله» الأعظمي أستاذ الحديث بالجامعة كلمة قال فيها: كان فقيدنا المرحوم نجلُ أبٍ جليل ومجاهد باسل: «حسين أحمد» المدني المعروف بشيخ الإسلام. تربّى رحمه الله في حضانة هذا الأب الجليل، ورأى تعامله وتفانيه نحو خدمة الدين والعقيدة والبلاد ولاحظ بطولاته وركضه المضني، وأخذ منها بحظّ وافر، حتى ورث تلك «الجامعيّة والشمول» اللذين كان يتمتع بهما أبوه ويتميز بهما بين أقرانه. واستطرد سماحته قائلاً: من خصائصه – رحمه الله – التي تميزه عن أقرانه أنه كان يتمتع بالطموح المُدهِش والهمة القويّة، وقوة التفكير والعمل الفريدة. كما كان متحليًا بفراسة ثاقبة وذكاء وقّاد وحسن الإدارة والتدبير، وكان أعرف بنفسية الإنسان وأقدر على إدراك المواهب واستخدامها. وهذه هي المواهب التي يكون بها الإنسانُ كاملاً ومتكاملاً ومُكِملاً للآخرين .

       ثم أبدى المستر «سنجي جَرج» وزير الضرائب في حكومة «أترا براديش» عن شديدِ حزنه الذي أصابه بوفاته – رحمه الله – وذكر بطولاته وأمجاده وقال: إنه كان قدوةً للإنسانية لا بالنسبة للمواطنين فحسب؛ بل بالنسبة إلى المجتمع العالمي أجمع، وقد ترك لنا مثلاً فريدًا للوحدة الوطنية والأخوة الوطنية الصادقة، فأنا أشيد بفضله وأوجّه إليه تحية تقدير وإجلال من قبل نفسي ومن قبل حكومة ولاية «أترا براديش».

       ثم تلا السيدَ الوزيرَ فضيلةُ الشيخ «غلام رسول خاموش» الرئيسُ التنفيذي الموقت وقال: إذا نُلقي النظر على حياة الشيخ المدني نجد أنه انتهز جميعَ فُرص الحياة، ولم يدع لحظةً من عمره تضيع فيما لايعنيه، قضى حياته على طريق يتراءى أنه أدّى حق الحياة، كأنه أقامَ حياته على أساس الحديث النبوي: اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك؛ وصحتك قبل سقمك؛ وفراغك قبل شغلِك؛ وغناك قبل فقرك؛ وحياتك قبل موتك. وأردف قائلاً: إذا تجولتَ في المعمورة تجد آثارًا عميقةً لخدماته الهائلة، كانت حياته عبارة عن الجهود المستمرة التي لاتدع له فرصة للاستراحة كأنه كان يقول بلسان الحال: «اللهم لاعيشَ إلا عيشَ الآخرة» .

       ثم تقدم فضيلةُ الشيخ محمد سلمان البجنوري بكلمات عزائية أصدرتها الحفلةُ قال فيها: حفلة التأبين هذه تعبّر عن شديد ألمه على وفاة أمير الهند للأمة المسلمة الشيخ محمد أسعد المدني. فقدنا بموته رحمه الله قيادة صالحة، وحصل فراغ لايملأ، إن حادث وفاته رحمه الله خسارة عظيمة لاتقصر على دارالعلوم وجمعية العلماء فحسب؛ بل لحقت هذه الخسارة المجتمع الإنسانيَّ أجمع. حقًا موتُه بصفته موت عالم نشيط للغاية موتُ العالم كله. سيظل التاريخ يذكره – رحمه الله – بالجميل على ما قام به من خدَمات جليلة تجاه استعادة الحقوق الأساسية الدستورية بالنسبة للمسلمين الهنود، وإصلاح المجتمع والحد من الاضطرابات الطائفية والتقليل من عنفوانها المتزايد.

       وفي الختام تحدّث إلى الحضور فضيلةُ الشيخ «مرغوبُ الرحمان» رئيس الحفلة ورئيس جامعة دارالعلوم فقالَ: عرفتُ الشيخَ محمد أسعد المدني عن كثب بقضايا دارالعلوم، ثم توثقت بيني وبينه أسباب الأخوة والمحبة. كان رحمه الله – بالإضافة إلى جميع محاسنه ومكارمه – يراعي حقوقَ الطلبة، ويعتني بتوفير تسهيلاتهم وحاجياتهم، ويحثّ دائمًا على الاعتناء بهذا الجانب، وقد زاد المجلس الاستشاري لدارالعلوم المِنَح الدراسية النقدية التي يتم صرفها إلى الطلاب، وأتى هذا باهتمامه رحمه الله. وانتهى الحفل بدعائه حفظه الله ورعاه، وقام بإدارتها المقرئ محمد عثمان الموقر نائب رئيس الجامعة و أستاذ الحديث النبوي بالجامعة .

 

*  *  *

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . محرم – صفر 1427هـ = فبراير – مارس 2006م ، العـدد : 1–2 ، السنـة : 30.